"فمن خلق الله 2 "

كنا قد تناولنا  لما الله ليس شيئا في المقالة السابقة , فالشيء يوجد من العدم ويصير اليه , ويطرأ عليه التغيير والتقلب , وطالما أن الاله ليس شيئا , فلننتقل للسؤال الأخر .
"كيف يكون الاله كلي القدرة ومن قال بذلك ؟ "
وهذا السؤال يتردد دائما من قبل غير المؤمنين بوجود الاله , وان بدأنا من حيث انتهى السؤال سنرى أن العقل هو من قال أن الاله يجب أن يكون كلي القدرة , ولكن من سلبيات الأديان أنها أضافت الصفات للاله "كالكرم والجود والعطاء والرحمة وغيرها , فهل الله يتصف بهذه الصفات فعلا ؟
وقبل أن نجيب على هذا التساءل فلنفترض جدلا أن الله يتصف بهذه الصفات ونحاول  فهم كيف فكر من قال بهذا القول  , ولنعد الى أن الله ليس شيئا وبالتالي هو متجرد من صفات الشيء .
حيث أن من صفات الشيء " الحزئية " وكوننا قلنا أن الاله لا يكون شيئا فهو بذلك لن يكون جزئا , بل سيكون كليا وكل جزئ ينتمي اليه .
فالكرم والعطاء وغيرها من الصفات توجد لدينا بصفتها الجزئية فيما تكون بالنسبة لله بصفتها الكلية الكاملة ,
وهنا يثور أول تساءل : وماذا عن الصفات السيئة كالخداع والغدر والانانية والظلم ؟
فمن هذا المنطلق يفترض أن يكون الاله متصفا بها كونها تحضر بصيغتها الجزئية لدينا فأين صيغتها الكلية ؟
وهذا تسائل خطير لن يفلت منه كل من يقول بهذا القول في الاديان الثلاثة , وكان أهل الكنيسة أكثر صراحة حينما وضعوا الها يفكر ويندم ويغضب في أدبياتهم , فيما كان المسلمون أكثر جبنا في ايجابتهم الضمنية عن طريق تسويغ الاستعمار بارادة الرب كما فعل البابا أوريان في الحملات الصليبية !.

ولأجل هذا مازلت أرى أن الفقهاء في كل الأديان أكثر من سرق الانبياء وأكثر من شوه صورة الاله نظريا وعمليا , فالكنيسة خلقت الها بشريا يندم ويفكر وهذه صفات لا تليق باله أبدا وسيرفضها أي عقل فلسفي فيما المسلمون بموروثهم الدموي شوهوا صورة الاله !.
ولكن هل للاله صفات ؟ أم أنها وردت في صياغ التقريب للغة البشر ؟
بالطبع لن أغامر بقول أن للاله صفات كون القاعدة يجب أن تنطبق على الصفات السيئة وهذا مانزلق اليه الأشاعرة , فالاله بلا صفات ولكن كلي القدرة وخير ... كيف ؟
لو تأملنا الخير والشر لوجدنا أن الخير يسبق وجود الشر , وأن الخير بمثابة الشجرة والشر بمثابة الظل , فالخير بناء والشر هدم , فالخير ابتداء والشر انتهاء .
والاله بما هو اله فهو خير كون الشر يشير الى التحول من حالة الى حالة وهذه صفة تنافي الاله ومن قرأ محاوة بارمندس لافلاطون سيفهم ما أعنيه جيدا , فلقد قلنا أن من صفات الشيء التغير والتحول كونه واقع تحت زمان واللذي هو عبارة عن أعداد ولهذا فالشيء يتبدل باستمرار .
ولو تأملنا الشر كالكذب سنرى أنه يكون بعد معرفة الحقيقة أو الخبر الصحيح , والخداع بعد معرفة ناجزة بالحقيقة وقس على ذلك باقي الصفات , وبالتالي يتضح أن الصفة الشريرة ماهية الا تحول عن الصفة الخيرة , وطالما أن الاله لا يتحول فهو عقليا يجب أن يكون خيرا وبهذه الطريقة قال أفلاطون وأرسطو وسقراط وأفلوطين والرواقية وغيرهم .
ولهذا فالاله كلي القدرة وبلا صفات وذكر الصفات في القرآن كان من باب اللغة المشتركة وكلها منضوية تحت راية " كلي القدرة " وهو خير كون الشر يفيد بالتحول .
ولكن ان كانت الصيغة الجزئية للخير موجودة لدينا وكذلك الشر فأين الصيغة الكلية ؟
ان قلت الان ان الشيطان هو اله الشر لقالوا عني زنديق أو منوي أو زرادشتي وغيرها .
ولكن لو تأملنا موروثنا سنرى أنهم وضعوا الشيطان وبالاخص ابليس ككلي الشر ولكن في الطرف الاخر وضعوا الاله وهذا خطأ عظيم أثر في ثنايا حياتنا اليومية وجعلنا نثني كل شيء فاما الاله واما الشيطان !.
والصحيح أن الشيطان يقف في أقصى الجهة ككلي الشر ولكن في الجهة الأخرة لا يقف الاله بقدر ما يقف " الملك "  , فالملك وهو مفرد الملائكة لا يصدر منه أي شر وهو خير محض عكس ابليس .
والانسان يتأرجح بينهما فتارة هو ملك وتارة هو شيطان , ويظل يقارب هنا وهناك الى أخر الحياة , وبهذا يستطيع الانسان أن يدرك معنى الخير من خلال معنى الشر والعكس أيضا

وبهذا نكون انتهينا من السؤال المنطقي الأول واللذي يكون بـ " ما " الشارحة وهو " من خلق الله ؟ وسننتقل الى " هل الله موجود ؟.... 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق